( الصفحة 218 )
وفي رواية أبي بصير ـ التي رواها عنه علي بن أبي حمزة ـ قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخروج إذا دخل شهر رمضان؟ فقال : لا إلاّ فيما أخبرك به : خروج إلى مكّة ، أو غزو في سبيل الله ، أو مال تخاف هلاكه ، أو أخ تخاف هلاكه ، وإنّه ليس أخاً من الأب والاُمّ(1) .
ومرسلة علي بن أسباط، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا دخل شهر رمضان فللّه فيه شرط ، قال الله ـ تعالى ـ : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}(2) فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج إلاّ في حجّ ، أو في عمرة ، أو مال يخاف تلفه ، أو أخ يخاف هلاكه ، وليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه ، فإذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث شاء(3).
ولا شكّ في الدلالة على الكراهة لا الحرمة ; لدلالة الاستثناء ولو بالنسبة إلى بعض المستثنيات على ذلك ، كالعمرة غير الواجبة على من في المدينة ، وإطلاق المال الذي يخاف تلفه ، فلا إشكال بملاحظة الروايات في أنّ الحكم بعدم الجواز بالإضافة إلى المستثنى منه إنّما هو على سبيل الكراهة ، وفي الاستثناء في الموارد المذكورة ، وأ نّ مورد الاستثناء قبل أن يمضي ثلاثة وعشرون يوماً من رمضان ، فإذا مضت الأيّام المذكورة التي بمضيّها يدرك ليلة القدر لا محالة ظاهراً ، فلا كراهة أصلاً .
- (1) الفقيه 2 : 89 ح 398 ، تهذيب الأحكام 4 : 327 ح 1018 ، الكافي 4 : 126 ح1 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 181 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 3 ح 3 .
(2) سورة البقرة 2 : 185 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 216 ح 626، وعنه وسائل الشيعة 10 : 182 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 3 ح 6 .
( الصفحة 219 )
المورد الثاني : الواجب المعيّن غير شهر رمضان ، وقد فصّل فيه بين النذر المعيّن وغيره ، كالقضاء الذي ضاق وقته ، والصيام بدل الهدي ; بأنّ الأقوى في الأوّل جواز السفر وعدم لزوم الإقامة، وإن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي العدم والإقامة ، ومقتضى الاحتياط الوجوبي في غيره العدم ، والإقامة لو كان مسافراً لإتيانه مع الإمكان .
والظاهر أنّ الوجه في الأقوائيّة في النذر ما عرفت(1) من أنّ الواجب في النذر إنّما هو عنوان الوفاء بالنذر لا العنوان المنذور ; فإنّه باق على حكمه الأصلي ، فإذا لم يصر الصوم واجباً فما المانع من السفر ؟ وإن كان مستلزماً لعدم القدرة على الوفاء . نعم ، يحتاط استحباباً . والوجه في الاحتياط الوجوبي دلالة بعض الروايات الواردة في هذا المجال ، مثل :
موثقة سماعة قال : سألته عن الصيام في السفر ؟ فقال : لا صيام في السفر ، قد صام اُناس على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسمّـاهم : العصاة ، فلا صيام في السفر إلاّ ثلاثة أيّام التي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ في الحجّ(2) .
وصحيحة زرارة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصوم في السفر في شهر رمضان ولا غيره ، وكان يوم بدر في شهر رمضان ، وكان الفتح في شهر رمضان(3).
- (1) في ص 161 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 230 ح 677 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 200 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 11 ح 1 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 235 ح 691 ، الاستبصار 2 : 102 ح 333 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 201 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 11 ح 4 .
( الصفحة 220 )
مسألة 7 : يكره للمسافر في شهر رمضان ـ بل كلّ من يجوز له الإفطار ـ التملّي من الطعام والشراب ، وكذا الجماع في النهار ، بل الأحوط تركه وإن كان الأقوى جوازه 1 .
مسألة 8 : يجوز الإفطار في شهر رمضان لأشخاص : الشيخ والشيخة إذا تعذّر أو تعسّر عليهما الصوم ، ومن به داء العطاش; سواء لم يقدر على الصبر أو تعسّر عليه ، والحامل المقرب التي يضرّ الصوم بها أو بولدها ، والمرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ الصوم بها أو بولدها ، فإنّ جميع هذه الأشخاص يفطرون ، ويجب على كلّ واحد منهم التكفير بدل كلّ يوم بمُدّ من الطعام ، والأحوط مُدّان ، عدا الشيخين وذي العطاش في صورة تعذّر الصوم عليهم ; فإنّ وجوب الكفّارة عليهم محلّ إشكال ، بل عدمه لا يخلو من قوّة ، كما أنّه على الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ بهما ـ لا بولدهما ـ محلّ تأمّل2 .
1ـ وجه الكراهة حفظ حرمة شهر رمضان ـ الذي هو شهر الله ، خصوصاً بالإضافة إلى المسافر القادر على الصيام ـ ولا خصوصيّة للجماع وإن احتاط فيه استحباباً بالترك ، وقد دلّ على كلا الحكمين روايات ، فراجعها(1) .
2ـ الكلام في هذه المسألة في مقامات :
الأوّل : أ نّه يجوز الإفطار في شهر رمضان لأشخاص ، فاعلم أنّ الآية الشريفة(2)الواردة في فريضة الصوم ـ وأ نّه مكتوب على المؤمنين كما كتب على الذين من قبلهم(3) ـ قد وقع فيها التعرّض لعناوين ثلاثة : الشاهد للشهر ، ومن كان مريضاً ،
- (1) وسائل الشيعة 10 : 205 ـ 208 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 13 .
(2، 3) سورة البقرة 2 : 183، 185.
( الصفحة 221 )
أو على سفر ، وفي الذيل قوله ـ تعالى ـ : { وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ و فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين}(1) ، والظاهر أ نّ الالتزام بأنّ كلمة «لا» محذوفة قبل قوله ـ تعالى ـ : { يُطِيقُونَهُ و } مشكل جدّاً ; لأنّه لا يلائم مع كون الآية في مقام بيان هذه الفريضة المهمّة ، وأنّها الآية الأوّليّة الدالّة على هذا الحكم المهمّ .
فالأولى أن يقال كما قيل بأنّ المراد من «الذين يطيقونه» هم الذين إذا أرادوا الصوم لابدّ وأن ينفقون نهاية طاقتهم وقدرتهم في هذا الطريق ، وبدونه لا يقدرون أصلاً ، ففي الحقيقة يكون الصيام في غاية العسر والحرج ، وهو المناسب ـ لما في ذيل الآية ـ من إرادة اليسر دون العسر .
وكيف كان ، فنفس آية الصوم ظاهرة في عدم وجوب الصوم على الشيخ والشيخة في صورة تعذّر الصوم عليهما أو تعسّره ، مضافاً إلى قاعدة نفي الحرج، وإن كان التعبير بالجواز في عنوان المسألة ـ كما في المتن ـ ربما يشعر بل يدلّ على عدم وجوب الصوم تعيينيّاً عليهما ، إلاّ أنّ الظاهر وجوب الإفطار عليهما كما يدلّ عليه قوله : «فإنّ جميع هذه الأشخاص يفطرون » . ويدلّ عليه أيضاً ما اخترناه في قاعدة «لا حرج»; من أ نّ السقوط فيها إنّما هو على نحو العزيمة لا الرخصة (2)، ومع قطع النظر عن الآية فالروايات الواردة في هذا المجال كثيرة :
منها : ما رواه المشايخ الثلاثة عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام ولا قضاء عليهما، فإن لم يقدرا فلا شيء عليهما . وفي سند آخر للشيخ عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) :
- (1) سورة البقرة 2 : 184.
(2) قاعدة نفي الحرج ، المطبوع ضمن ثلاث رسائل : 157 ـ 162 .
( الصفحة 222 )
ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام(1) .
ومنها : ما رواه المشايخ الثلاثة أيضاً عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان؟ قال : تصدّق في كلّ يوم بمدّ حنطة (2) . والراوي مهمل .
ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان قال : سألته عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان ؟ قال : يتصدّق كلّ يوم بما يجزئ من طعام مسكين(3) .
ومنها : مرسلة ابن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : { وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ و فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين} . قال : الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكلّ يوم مدّ(4) .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة على ذلك ، الواردة في تفسير الآية المباركة أو مستقلّة (5). والدقّة تقضي بأنّ المراد منها وجوب الإفطار عليهم ولزوم التصدّق ، والحمل على التخيير بين الصيام والتصدّق خلاف الظاهر .
ومن الأشخاص المذكورين في المسألة ، الحامل المقرب إذا كان صومها مضرّاً
- (1) الكافي 4 : 116 ح 4 ، الفقيه 2 : 84 ح 375 ، تهذيب الأحكام 4 : 238 ح 697 و 698 ، الاستبصار 2 : 104 ح 338 و339، وعنها وسائل الشيعة 10: 209 ـ 210، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب15 ح1 و2.
(2) الكافي 4 : 116 ح 2 ، الفقيه 2 : 85 ح379 ، تهذيب الأحكام 4 : 238 ح 696 ، الاستبصار 2 : 103 ح 337 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 211 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 ح 4 .
(3) الكافي 4 :116 ح3 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 211 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 ح5 .
(4) الكافي 4 : 116 ح 5 ، الفقيه 2 : 84 ح 377 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 211 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 ح 6 .
(5) وسائل الشيعة 10 : 209 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصح منه الصوم ب 15 .